سنواتٍ عجاف.. فمتى يكون الغيث؟

سنواتٍ عجاف.. فمتى يكون الغيث؟

 سنواتٍ عجاف.. فمتى يكون الغيث؟

لقد ارتبطت منطقة القرن الأفريقي بصور المجاعة والأطفال الّذين تلتصق جلودهم بعظامهم والحيوانات المختلفة الّتي تنفق وتموت جماعاتٍ جماعات عند آبار المياه والواحات في الصحراء الممتدة بعد نجاحها في الوصول إليها، عدا عن كونها منطقة صراع سياسي، بالذات في الصومال. ومنطقة القرن الأفريقي تضم العديد من الدول هي: كينيا، الصومال، إرتريا وجيبوتي. وتعاني الصومال وكينيا من أكبر المجاعات والجفاف في العالم. 
تعاني كينيا على وجه الخصوص من الموسم الرابع بدون أمطار، مما يهدد بجفاف خطير يودي بالبشر والشجر والحيوانات، وقد بدأت البوادر تظهر، فبحسب ممثل اليونيسيف في كينيا فيرنر شولتينك فقد قال في تقرير سابق إنّه سيكون هناك 100,000 طفل دون سن الخامسة بحاجة إلى العلاج بسبب الجفاف وسوء التغذية الحاد، وأكثر من 180,000 طفل لم يعودوا يذهبوا إلى المدرسة بسبب الجفاف وتنقل عائلاتهم للبحث عن مصادر للمياه والحياة.
زار فريق شغف خلال العام الماضي كينيا، بزيارة تفقدية لجمع المعلومات حول الأوضاع الحقيقية على الأرض، ولمعرفة مدى حاجة الناس إلى المساعدة، للاستماع إليهم وتسجيل طلباتهم والعمل عليها، كما يقوم الفريق حاليًا بالعمل على حملة تبرعات خاصة بكينيا للانطلاق في المهمة الأولى للمؤسسة للعمل الرسميّ في كينيا. 
في هذا التقرير نسلّط الضوء على الحاجة الّتي شاهدها فريق شغف في كينيا متمثلًا بمشاركة مؤسسين شغف حسن زيود وياسمين وتد، حيث تحكي ياسمين تجربتها الّتي تسلط فيها الضوء على معاناة الناس في بلاد الصحراء المقفرة والجفاف القاحل. 

نمشي عشرة كيلومترات لنشرب الماء
بسبب البعد الجغرافي وعدم تسليط الاعلام الضوء على قضايا الجوع والجفاف في أفريقيا، فثمة شعور سائد بأنّ مثل هذا الجفاف يحصل في عالمٍ موازٍ لنا، لذلك كان من المهم بالنسبة لفريق الشغف التواجد على الأرض ومع الناس ومعايشة الواقع الّذي يعيشونه كي نتمكن من تجنيد الموارد والاحتياجات اللازمة بحسب حاجة الناس لها. خلال الحديث مع ياسمين وتد روَت لنا مشاهدتها وتجربتها قائلة:
"كنا في زيارة كشفية للقرى النائية في شمال كينيا على حدود الصومال في منطقة تدعى جاريسا، وهي قريبة من نهر اسمه تانا، وهو أقرب مصدر ماء للقرى المجاورة له، القرى بعيدة عنه بشكلٍ متفاوت. خلال زيارتنا لهذه القرى كان الهدف هو جولة استكشافية، لمعرفة مدى جودة المياه، كيف يحصل الناس على الماء، ما المسافة الّتي يقطعونها للحصول على الماء، وقد رافقنا خلال الجولة شخص مختص لفحص جودة المياه ومعرفة الأمراض التي يعاني منها الناس بسبب هذه المياه، مثل الاسهال الشديد الذي يؤدي للموت أو الكوليرا وغيره من الأمراض."  وتضيف: "قررنا خوض تجربة إحضار الماء مع المسؤولين عنها، وهناك عرفنا بأنّ المسؤولين عن إحضار المياه للبيوت هم الأطفال، حيث يمشون في كلّ يوم عشرات الكيلومترات لإحضار الماء لبيوت القش التي يسكنونها."
وعن التواجد في مثل هذه التجربة لإحضار الماء تقول ياسمين: "مشينا برفقتهم خمسة كيلومترات في الذهاب ومثلها في الإياب. الكثير من الصعوبات تواجه الأطفال خلال رحلتهم في الذهاب والإياب، بالنسبة لي كانت الحرارة لا تحتمل، وهي واحدة من أكثر المرات صعوبةً الّتي تعرضت فيها للشمس والحر في حياتي. كما أن صعوبة الطريق نفسها، ليست هناك طريق معبدة أو طريق واضحة، كنا نسير من خلال الأشجار اليابسة، خلال السير كنا نشاهد مواشي نافقة على جوانب الطريق، حتى أننا سرنا بين جثث حمير وأبقار وجمال"

مصادر مياه قذرة؛ لكنها الحاجة
بسبب الحاجة الشديدة إلى المياه، والتي تعتبر من الحاجات الأساسية للانسان، فإنّ الأطفال الّذين يشقون الطريق ذهابًا وإيابًا في كلّ يوم يحاولون إيجاد الحلول لتكون الطريق أقل صعوبة مما هي عليه. تحكي ياسمين وتد عن مشاهدتها: 
"لا تتجاوز اعمار الأطفال الّذين رافقونا 10 إلى 12 عامًا. يقوم الاطفال بوضع برميلين (جالون بلاستيك معدّ للماء، مرفق صورة) من الماء ببعضهما البعض، ويربطانهما بسلك حديدي ليسهل عليهم حمل الماء بعد تعبئته" 
وتشرح تفاصيل لباس الأطفال وطريقة تعبئة الماء قائلة: "معظم الأطفال لا يملكون حذائًا لارتدائه، فيسيرون كل المسافة حفاة، بعض الفتيات كانوا يتبادلن نفس الحذاء خلال الطريق، كل واحدة ترتديه فترة زمنية معينة، وكان بالنسبة لي أنا المجهزة بكل وسائل الراحة من حذاء رياضي ومياه نظيفة شيء مستهجن وغريب أن يقوم الأطفال بهذه الرحلة مرتين خلال اليوم ليس مرة واحدة، بما معناه بأنهم يسيرون 20 كيلومتر يوميًا للحصول على المياه. هذه المياه تستخدم لكلّ شيء بما معناه؛ عند الوصول للنهر شاهدنا حيوانات تشرب من الماء، الناس يشربون منها، آخرين يغسلون ملابسهم في هذه المياه، والماء نفسه لونها بني لأنها مليئة بالأوساخ والفضلات"

غياب المؤسسات الدولية والمساعدات
لا تتواجد المؤسسات الدولية القرى النائية بالذات بشكلٍ ثابت، مما يشكل صعوبة أكبر على السكان في توفير احتياجتهم والعمل على حلّها، وواحدة من الأسباب الّتي دفعت المؤسسة للبقاء هناك فترة طويلة هو لدراسة الحالة وتوفير الاحتياجات بشكل دائم. تقول ياسمين عن دور المؤسسات الدولية: 
"لم أرَ هناك مؤسسات متواجدة بشكلٍ دائم، بعض المؤسسات كانوا يأتون في مهمة ويغادرون بعدها بلا متابعة؛ مثل بناء مساجد وحفر آبار في المنطقة ثم لا يعودون بعدها لتفقد البئر (ان كان قد جف او تلوثت مياهه). من هنا أطلقنا حملة التبرع الحالية لكينيا، والهدف هو تقديم حلول ومتابعتها بالوتيرة المطلوبة وتلبية الحاجات غير المستجابة في المنطقة" 

حاجة كبيرة وغياب مستمر 
في ظل غياب المؤسسات والالتفاف الاعلامي حول هذه المناطق، فقد جاءت حملة شغف الحالية لمحاولة سد جزء يسير من احتياجات الناس في تلك المنطقة وتسليط الضوء على معاناة سكان القرى النائية، والهدف هو التواجد بشكلٍ متكرر والمتابعة مع أهل المنطقة من أجل ضمان الوصول إلى الاحتياجات الحقيقية. تقول ياسمين في هذا الصدد: 
"المشكلة ليست فقط في الجفاف، الجفاف يولّد مجاعة، نفوق المواشي ومصادر الرزق، عدم تواجد مصادر مياه صالحة للشرب، عدم وجود حيّز تعليمي أيضًا، مراحل الحياة الطبيعية الّتي نمر بها من المدرسة إلى الجامعة والحصول على عمل غير موجودة هناك، ثمة شعور بأنّ المكان يعود إلى عصور قديمة، ومصادر الرزق الوحيدة المتاحة للناس هي تربية المواشي وصناعة الفحم، حيث يصنعون الفحم من الأشجار" وتضيف: "أكثر من ذلك، بعض الأطفال كانو يخافون من تواجد الغرباء، بعضهم للمرة الأولى يرى شخص بلون بشرة مختلف"
وتتحدث عن دور الرجال في هذه القرى قائلةً: "دور الرجال في القرية هو تقطيع الشجر والذهاب إلى المدينة باستخدام العربة والحمير، المدينة التي تبعد بالسيارة ساعة ونصف لساعتين، فكيف بها المسافة على الحيوانات؟ يذهب الرجال إلى المدينة ويغيبون لأسبوع أسبوعين لبيع الفحم والعودة ببعض مصادر الرزق" وتضيف: "ليس هناك في هذه القرى سوبر ماركت مثلًا لشراء الأغراض، الناس تعتمد بشكل كلي وأساسي على المحاصيل الزراعية والمواشي، وهذه المصادر باتت شحيحة وشبه معدومة اليوم مع الجفاف"

 

ميساء منصور
مدونة

Calendar تاريخ المنشور 20 Aug
whatsapp